مدونة شارع الصحافه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


جعفر عبد الكريم صالح
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أمةٌ لا تمارس حسم الأمور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جعفر الخابوري
Admin
جعفر الخابوري


المساهمات : 198
تاريخ التسجيل : 14/07/2013

أمةٌ لا تمارس حسم الأمور Empty
مُساهمةموضوع: أمةٌ لا تمارس حسم الأمور   أمةٌ لا تمارس حسم الأمور Emptyالجمعة سبتمبر 20, 2013 1:07 pm

أمةٌ لا تمارس حسم الأمور

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو ... مفكر بحريني
comments [at] alwasatnews.com


يحار الإنسان في أمته العربية حتى يصل إلى مراحل الشكوك المحبطة الغاضبة. لنأخذ أحد المواضيع المحيرّة، موضوع عدم القدرة وغياب الإرادة في حسم الأمور الكبرى التي تواجهها الأمة. تمرُ السنون والقرون دون الوصول إلى حسم جمعي، نعم جمعي من قبل الغالبية السّاحقة من الناس وليس من قبل هذه المجموعة المثقَّفة الصغيرة أو تلك المجموعة السياسية الهامشية.

دعنا نذكِّر أنفسنا ببعض تلك الأمور التي واجهتها الأمة عبر الخمسة عشر قرناً الماضية، ولنبدأ بفاجعة موت نبي الإسلام صلًى اللُه عليه وسلًم.

ما إن يدفن الجسد الطاهر حتى ينفجر موضوع خلافة النبي. يبدأ كخلاف سياسي قابل للفهم لينتقل إلى خلافات مذهبية متطاحنة تشقُّ الدين الوليد وتأخذه إلى متاهات تتشابك فيها السياسة وأطماع الدنيا بهلوسات غيبية وأمراض اجتماعية حتى النخاع.

هذا موضوع في التاريخ، له أسبابه وموجباته وسوء التصرف بحقه في حينه. لكن تمرُّ القرون والموضوع باقٍ معنا، بوحدة المشاعر الغاضبة نفسها، بالشَتائم الوقحة نفسها، دون إدخاله بشكل حاسم كموضوع من التاريخ، دون إخراج لخلاف تاريخي من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، لكأن الأمة تريد أن تبقي الموضوع في وعيها الجمعي كلعنة أبديّة.

لنذكُّر أنفسنا بموضوع ثانٍ. إنه موضوع الملك العضوض الذي دشَّنه الخليفة معاوية. لقد انقلب ذلك الحدث السياسي إلى قراءة فقهية بعدم جواز الخروج على وليّ الأمر، بل طاعته حتى ولو كان ظالماً في أمور الدنيا ومصالح العباد، وذلك إتقَّاءً للفتنة.

حسناً، حتى لو وجدنا في ذلك الحين مبرّرات لذلك الخوف على الدين الوليد وأمَّته، هل يعقل أن يبقى ذلك الخوف في وعي الأمة الجمعي حتى يومنا هذا؟ لكنه باقٍ معنا على رغم أن ذلك الفهم يتناقض كلياً مع متطلبات قيام الأنظمة الديمقراطية التي أصبحت جزءاً مهماً وعميقاً من الوعي الجمعي الإنساني.

لكأن الأمة تريد بقاء لعنة الاستبداد والحكم الظالم كجزء أصيل من حياتها السياسية إلى الأبد. لو سألت أيَّ فرد في بلدان مثل فرنسا أو إنجلترا أو أميركا عن نظام الحكم الذي لا يمكن أن يقبل بسواه، فإن الجواب القاطع هو أنه لن يقبل قط بنظام غير ديمقراطي. تلك الأمم حسمت أمرها مع موضوع نظام الحكم في وعيها الجمعي.

أما عندنا فإن الأمر لم يحسم على رغم أهوال ومخازي ومظالم واستباحات فكر ونظام الملك العضوض.

دعنا ننتقل إلى العصر الحديث. الموضوع في هذه المرة هو الوحدة العربية، وحدة الأمة بمفهومها الحديث ومن ثمَّ وحدة تراب الوطن بالشكل المناسب. يستيقظ ذلك التوق بعد سقوط الخلافة العثمانية، يتجسَّد فكراً وتنظيماً في كتابات وأحزاب وحركات إلى أن يصل إلى قمَّتة في زخم الناصرية الهائل. لقد دخلت آنذاك مشاعر العروبة وآمال الوحدة العربية في نفوس وعقول الملايين وأصبحت جزءاً من عمق الوعي الجمعي العربي.

لكن ترتكب الأخطاء ويموت القائد وتتكالب قوى الخارج والداخل وإذا بذلك الزَّخم يتراجع وترتفع رايات الخصوصية القطرية لتشوية وغواية الوعي القومي الجمعي.

تمر أربعة عقود لتنكشف هشاشة التوجُّه القطري وتصبح جميع الأقطار نهباً للغريب المستعمر والصهيوني وتتعثَّر التنمية إلى حدود الفواجع. ومع ذلك يظلُّ الموضوع غير محسوم إلى هذه اللحظة في الوعي الجمعي. وحتى حراكات الربيع العربي الثورية الرافعة للشعارات الكبرى لم تحاول أن تحسم الموضوع في أذهان الملايين من مناصريها وداعميها. لكأنَّ الأمة استمرأت العيش مع اللعنات لتضيف لعنة التجزئة والتَّفتيت للمجتمعات والأوطان.

القصُّة تطول. هل نذكِّر بمرور قرنين دون حسم للأصالة والحداثة، لإمكانية تعايش المشاعر الوطنية مع القومية مع الإسلامية دون حروب وصراعات، لإمكانية تعايش مشاعر الانتماء السوسيولوجي للقبيلة والدين والمذهب مع الانصهار في المواطنة الجامعة، لموضوع تساوي حقوق المرأة الكاملة بتميُزها الطبيعي والنفسي أمام حقوق الرجل الكاملة بتميُزه الطبيعي والنفسي؟

أمام هذا التاريخ من عدم الحسم يطرح السؤال المرعب الآتي نفسه: ترى هل سنضيف إلى تلك القائمة الطويلة من عدم الحسم موضوع الجهاد التكفيري الطائفي العبثي، الذي يقسم الأمة بين مؤيد مصفِّق وإلى رافض مشمئز، والذي شيئاً فشيئاً ينقلب إلى مذهب له منظِّروه ومحلِّلوه وإلى فرق لها داعموها ومحتضنوها؟ ترى هل سيصبح هذا الموضوع لعنة جديدة في حياة الأمة لعدَّة قرون أخرى؟ القائمة تطول إلى حدِّ الغثيان.

موضوع عدم القدرة على الحسم هو مرض نفسي معروف يصيب الأفراد، وله علاج. فإلى متى سيظلُّ المفكرون والكتاب والقادة والسياسيون العرب يتلهَّون بفلسفات وتقليعات وهرطقات الآخرين دون التركيز والتفرُغ شبه التام لمساعدة الأمة لحسم الخروج من مصائبها؟

علي محمد فخرو
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4031 - الجمعة 20 سبتمبر 2013م الموافق 15 ذي القعدة 1434هـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hhfggdc.yoo7.com
 
أمةٌ لا تمارس حسم الأمور
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدونة شارع الصحافه :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: